السبت، 10 يناير 2009

يدٌ تكتب عن الحياةِ...للحياة




في غزة



يدٌ تكتب عن الحياةِ...للحياة


عبد السلام العطاري*

هناك ضجيج خراتيت تجرُّ رائحة الموت، توزعها على الأرصفة وعلى ما حطت أنيابه ومخالبه، و ما جاء به على مدّ بحرٍ طالما ترّجى موجةً تحمل زنبقة ومسك فنيقية تعطرت لـ ( مارنا) ولاذ بها خفاّش الليل حين تجهم عبق أريج شقائق النعمان فعمت بصيرته وأطلق جرحاً لصيب كبد طفلة تحلم بنّوة تحمل عشاء يأتي بعد حين جوع وصراخ أمعاء تتلوى بالحرية المؤجلة، ولعل الصديقة الشاعرة والإعلامية أسماء شاكر كبقية الأصدقاء هناك في غزة أو في رفح كناصر عطا لله ونصر شعث ومحمود ماضي ومنال خميس وخالد جمعه ورجب أبو سرّية وغريب عسقلاني ويسري وكمال، وغيرهم غيرهم من الأصدقاء الذين بتنا نحاول أن نصل إلى سماع أصواتهم ولكن تكنولوجيا العصر تفيدك أنهم خارج التغطية، أسماء شاكر هناك في كل مكان أو في أي مكان اسمه القطاع ، هذا الاسم الذي قام العالم كله ولم يقعد... و ساسة ما حرّك بهم هذا الصراخ أكثر من شجب وحوقلة وضرب الكف بالكف، هذا العالم قام مرتبكاً لفظائع آلة البطش التي حلّت بجبروتها وعنجهيتها لتنال من طفل يبحث عن قطعة خبز مبللة بما تبقى من ماء تطاير خزانه بفعل جنون سهام الجحيم التي تمرُق كل لحظة وتخترق جدار الخجل العربي وتمنحه المزيد من الخجل المُعرِّق والمحرِّق لأقنعة يتمطى تحتها بقايا جباه رأت مشاوير النكبة والنكسة وانتفاضيتين على أرض أم البدايات والحكايات –فلسطين-؛ ترى عصابات فلت عقال بطشهم ليستعرضوا عضلاتهم على مدينة إن رميت حجراً من أولها تلقفها عصفور في آخرها. أسماء كغيرها تكتب خبراً وتكتب قصيدة وتكتب حكاية وتلتقط صورة من حياتها ، الحياة الجزء من حيوات بقية من يسكنون الحصار والخناق والاختناق.
صدفة جمعتنا عبر الهاتف ليدور السؤال العابر والتقليدي عن الحياة التي يشاهدها الصامت والصارخ وفرسان الفضائياتبكفرسان والمتأسف والمتأفف والمستنكر والشاجب والواعد والمحذِّر والرافض والجالس في فنادق (سفن ستارز) ويبرق التحايا للشهداء وللشهداء المؤجلين ولأطفال ( الفاخورة) وللردْْم ولتلك الطفلة التي بكت على دميتها وساءلت مجلس الأمن عن وأد رفيقات حَجْلتها.
وجدُتها، وجدتُ أسماء كما هي متفائلة بالحرية وبالوعود وبانتظار أن تنهي جامعاتها هذا الصيف ووجدتها تحكي عن صوت (بابور) الكاز الذي بقي بعد نفاذ الغاز الذي يصل إلى كل العالم ويعبر غزة ولكن لا نصيب لها منه، لا نصيب لها إلا من أن تكون محطة للتجريب ، تجريب تكنولوجيا الدمار وقتل الأطفال وتحريق الدمى أو دفنها مع الأشلاء، كلمات قليلة ومعانٍ كثيرة كان الهواء يحملها ويعبر فلسطين كل فلسطين، ويغرف من النهر دمعة ومن البحر ملحه ليطهر جرحاً هناك... قلت وقالت وانتظرتُ أن تكتب؛ فكتبت، وكان هذا النص من تحت القصف والحصار والجراح.
يد تشير كبوصلة إلى الحياة، يد تضرب لتنز الأرض دمها، يد تمسح غبار أبرهة وأخرى ترفع يدها إلى السماء، يد تكتب هوامش الحياة عن الحياة.

******

نصوص... تحت القصف
هوامشٌ.. عن حربٍ غير متكافئة التاريخ

أسماء شاكر*

_ _

يَتَصَاعدْ العدَاد
كلُ احتمالاتِ الموُت مشرعة
لا سعر محَدد للرِهان
لا عُملة....
" دمٌ للبيعِ .. وجثثٌ صغيرة لمنْ يرسو عليهِ المزاد ".



_ _

يَكتُبُ مؤَرِخٌ فوقَ جدارِ التاريخِ الصدئْ
عن كلِ شواهدِ الإبَادَة ....
" .. والتَفاصِيلْ...كَانتْ أَبشَع من وَجهِ الحَقِيقَة ".

_ _

يَنْصِتُ الهواءْ
سُكونٌ .. ما قبل غَارَةٍ أخري
لا ضُوءَ فوقَ النافِذَة ..
لا نَافِذة ..
لا شوارعَ .. لا مَطرْ
باردٌ ليلُ المدينةِ كَالصَقِيع
بَارِدةٌ .. كَمَوت .


_ _

لمْ يَعُدْ الدَمع ...قهوة يَقظتِنا الوحيدة
علي كابوس البقاء .


_ _

مناشدة... إلى الله !
" أزِحْ بَقايَا الشُهداءِ عن الرصيفِ قَليلاً ..
كي لا تَفضَح رائحةُ الموتِ المُتَعفِن ..احْتِمَائَنا العَارِي " .

____________
* شاعر وكاتب فلسطيني
*أسماء شاكر/ إعلامية وشاعرة فلسطينية – غزة

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

جُرحنا العَميم





متثاقلونَ
متأففونَ
غاضبونَ
ضجرونَ حدّ المَللْ
حينَ يَمْرُقُ اسمُكِ
من دَفْقِ الحَناجر
يتلوْون أمام ضوء يبصق
صورةً تمتطي القناع
حين يَخْجل الردُّ
ويعلَقُ في جوفِ الجواب
ويفضحُ المارقين
على الجسدِ الناعس
على الرملِ الغض
على الأبوابِ الموصدة
على حليبِ الطفولة
على أرجوحَتِهم
ونبض أعيادهم الغائبة


خاسِئونَ
تَنهشهم أَنيابُ السُؤال
لمّا تعود الذاكرة
إلى حُجرات القُدس
وصراخ عُذريتها.

يا غزةُ ...
هذي قراصنةُ البحرِ
قوافلُ البِرِّ..!
تُجّارُ البَرِّ
يبعيون آياتِ الحُسين
في الطرقات
هذي أصواتُ نشيد ِ
ما عدنا نفهمُ صوتَ المَوجِ
ما عاد الموجُ يَعرفُنا
وعِبرية تعرج على درج اللسان
تَتَعْثر حين الهبوط
على سُلَّمِ الكلام
هذا البؤسُ الركام
هذا الصراخُ العدم
ما أرادوك لغير الموت
فأَردَوْكِ طريدةَ الأنياب
فَاحيي
أَنتِ الحياة
أَنتِ البحر
أَنتِ ظلُ العابرين
إلى الزمان
أَنتِ الشمسُ تتلظّى
في جرنها
برداً
سلاماً
حنطة
مطراً
يُطفئُ
جَمرَ النَجم
والبَرُّ سرير الغزلان
والصيف يُدفئ موجَكِ
والريحُ تَحمل أَنينَ أَكباد
هاجرت قَسراً
فَسدَّت آذانهم
وكان الصمم
في الصميمِ يَلوْذ.

يا غزة ُ
سَنعبرُ ليلتَنا
ونَفتحُ ستائرَ
الجنونَ
لِتعصفَ بنا صَرخاتُ الكراريسِ
وشهقةُ الصبح الغادرِ

يا غزةُ
هذا الضيفُ لعنة
أقام على الجسدِ
قليلاً
قليلاً
يُقيم
وهذي الموائد سمٌ زُعاف
وهذا الجارحُ يرمي موته
فالتقطي حبات
المطر
بفمِ الغبار
وانتفضي
الآن ... الآن
مَزّقي صُحفَ الوعود
نشرات الدجل المُرّة
واشربي ملوحتك
والعَذْبُ صار عذاباً
والوقت خَفْقَتُهُ طعَنة
وجدرانُ الخزانِ قد صدِئت
فدقي الساعة ... يا غزة
واحضني عقاربهَا
لن تلسع
وراقصي الجُرحَ
حَجلاً...
والحجلُ يعود
ما دام الموجُ في البحرِ
يَهْدرُ بالنصرِ
والكونُ أَصم
لا يَسمعْ .

يا غزةُ
أَشعلي رملَ شاسعنا
كي نرى حدائق َ
الموجِ تَطْفو
وتضيءُ أريج َالحرائقِ

يا غزةُ
كم دمعةً تحتاجينَ
كم طلقةً مُرِّقت على الأشلاء
كم لعنةً ستتلوها دأدأة الطفولة
كم غارةً سوف تحَِلُّّ
وتحط على جبينِ
الحُزن
وكم نظرةً تحطُّ على جبينِ
الخَجل
يا غزةُ ..
...
...
يا جرحنا العميم.